تَمَتْ أَزمنة أَلأُمم وإِكتملت!

" تدوس الامم أُورشليم إلى أن تتم أزمنة الامم "


تكلم السيد المسيح عن نهاية العالم وعن تشتيت اليهود وخراب اورشليم ووقوعها تحت سيطرت واحتلال الامم وقال:

لوقا (21-24): وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ


فدعنا نرى ما إكتمل من هذهِ النبوءة وهل تمت ازمنة الامم وإقتربنا من نهاية العالم ام بعد!


حاصرت جيوش تيطس أورشليم في ربيع عام 70 ميلادية, وبعد عدة محاولات فاشلة لإختراق تحصينات قلعة أناتوليا التي كانت ثانِ أعلى منطقة في اورشليم بعد جبل الهيكل, وهي تحصين عسكري ضخم كان هيرودس الكبير قد بناهُ في اورشليم,  تمكنت الفرقة العاشرة الرومانية أخيراََ بهجوم سري على القلعة من إختراقها في 17 تموز والسيطرة عليها وعلى مدينة اورشليم, وكانت القلعة بعد ذلك هي نقطة الانطلاق المثلى لشن الهجوم على الهيكل, وقد تسبب القتال بحرق حوائط الهيكل عندما قام جندي روماني برمي شعلة محترقة على حائط الهيكل وقد إنتشر الحريق في جميع أجزاء الهيكل وخرج عن السيطرة في اليوم التاسع من شهر آب وتهدم الهيكل قبل نهاية الشهر, ثم إنتشرت النيران إلى المناطق السكنية من المدينة, وتمكن الرومان من سحق ما تبقى من مقاومة يهودية في المدينة بسرعة بعد ذلك, وللعلم فإِنَّ التاسع من آب هو نفس تاريخ إستيلاء قوات الإمبراطورية البابلية على الهيكل الاول سنة 586 قبل الميلاد.


وقرر الرومان تجويع سكان المدينة لكي يستسلموا فقلعوا جميع الاشجار من حوالي خمسة عشر كيلومتر من المناطق المحيطة بأورشليم , وأقاموها كأسوار وموانع بمسافة ثلاثة كيلومترات حول المدينة لمنع أحد من الهرب منها والافلات منهم.



وعندما بدأت المواد الغذائية  تنفذ في المدينة المحاصرة, ترك بعض اليهود المدينة متجهين إلى الوديان امام اسوار المدينة علهم يجدون شيئاََ يقتاتون عليهِ, فكان الجنود الرومان يُمسكون بحوالي خمسة آلاف منهم باليوم الواحد, فيتفننون ويتلذذون بتسميرهم وصلبهم بأوضاع مختلفة على الصلبان. وإزداد عدد الذين يموتون يومياََ من جراء الحصار فإِمتلأ وادي قدرون بالجثث, وقد أخبر القائد تيطس بعض الذين تم إلإمساك بهم من اليهود الهاربين بأَنَّ عدد الموتى الذين أُلقوا في الوادي وصل إلى 115880 , وعندما تمكن بعض من  اليائسون من اليهود الهاربين من النجاح بالمرور من بين المدافعين عن المدينة ونجوا من أن يقتلهم الجنود الرومان المهاجمين في حالة إكتشاف أمرهم كانوا يصلون أخيراََ إلى منطقة موانع الاشجار التي غرسها الرومان حول المدينة ويستسلمون كأسرى للرومان, ففي حينهِ فقط كان يسمح لهم ويُعطون الخبز ليأكلوا, وقد مات بعضاََ منهم بسبب كثرة ما إلتهموه من الخبز فلم تستطيع معدتهم هظمهُ. فكان سكان المناطق القريبة يشقون بطونهم لعلمهم بأن بعضاََ منهم كان قد بلع بعض العملات النقدية من ممتلكاتهم قبل الفرار من بيوتهم.


ولقد تم أخد ما يقارب ستة آلاف طفل وإمرأة سبايا حرب من ساحة الامم التابعة للهيكل بينما كان الكهنة لا يزالون يُقدمون التقادم في قدس الاقداس, وتمكن قسم من اليهود المتبقين من الفرار من المدينة عن طريق الانفاق السرية تحت الارض بينما كان الباقين منهم يدافعون عن القسم العلوي من المدينة, ووقعت المدينة تحت السيطرة الرومانية بالكامل يوم 7 أيلول وكان الرومان لا يزالون يلاحقون اليهود الذين فروا منها.


وخلال بضعة ايام حرقت كل السجلات الموجودة في البناية جنوب الهيكل, ومكان إجتماع مجلس السانهدرين, ثم نزل الرومان إلى المدينة القديمة وإستولوا على البلاط, ففر آخر المدافعين وخبأوا أنفسهم في مجاري صرف المياه.


هذا وإنتهت الثورة اليهودية بالإستيلاء الرومان على ماسدا عام 73 ميلادية.


وخلال اربعة سنوات من الحرب, أَخذ الرومان ما يقارب 97000 أسير, أُجبِرَ معظمهم ليُقاتلوا الحيوانات الوحشية, أو بعضهم بعض في حلبات المصارعة, ومن كان معروفاََ بأنَّهُ مجرم منهم كانوا يُحرقون أحياء. وقد أُخذ بعضهم للعمل بحفر الانفاق, ولكن معظمهم أُخِذوا كأسرى إلى روما ليعملوا في بناء فورم السلام الذي كان ساحة في مركز المدينة, وتم عرض المنارة الذهبية ومائدة التقدمة اللتين أُخذاتا من الهيكل في معبد السلام في روما.


وأعطى تيطس الامر بهدم كل المدينة والهيكل, وتركوا الابراج العالية والحائط الغربي المحيط بالمدينة للدلالة على قوة تحصينها, إلا إنهم ساووا بالارض وفككوا حتى أساسات الحوائط الاخرى وهدموا المدينة بحيث لم يعد من يرى الانقاض يدرك إِنَّ المدينة كانت تسكن في يوم من الايام.


ويقول المؤرخ جوزيفس إِنَّ عدد القتلى أثناء الحصار بلغ 1,100,000 وكان معظمهم من اليهود, وهرب الكثيرين من سكان المدينة إلى معظم بلدان البحر الابيض المتوسط, كما وإِمتنع تيطس من قبول أكليل النصر الذي يكلل بهِ ألقائد المنتصر وقال " ليسَ هناك فخر لنصر على شعبِِ سلمهُ إِلههُ للموت".


وقام الامبراطور دوميتيان بتشييد قوس تيطس في روما سنة 85 ميلادية, الذي عرض موكب النصر الروماني والذين حملوا الغنائِم التي سُلبت من الهيكل, ومنها المنارة الذهبية ومذبح البخور وبعض ابواق الهتاف.



وفي سنة 129/130 ميلادية أعلن هيدريان عن خطط لإنشاء مدينة إِيلياء كابيتولينا على أنقاض مدينة أورشليم القديمة, أكراماََ لآلهتهم الثلاث التي كانت بحسب إِعتقاد الرومان تسكن تلة الكابتولين التي هي أحدى تلال روما السبعة, ومنع اليهود منعاََ باتاََ من دخول المدينة وكانت العقوبة للمخالفين هي الاعدام.


وإلى هنا لم يكن كلام المسيح قد تم عن خراب الهيكل, وأن لايبقى فيهِ حجر على حجر إِلا يُنقض, ولكن في سنة 361 ميلادية اعطى امبراطور روما يوليانس فلافيوس كلوديوس المسمى بيوليانس الجاحد, الذي كان مسيحياََ ثم إِرتد عن الايمان فاصدر أمراََ بإِعادة بناء الهيكل نكايةََ بالمسيحيين, وإستعان باليهود لإتمام المهمة, فعفاهم من الضرائِب وأعطاهم الاموال والمواد اللازمة للبناء من أحجار وأخشاب والتشوينات الاخرى وبكميات كبيرة. إلا أنهم لما إبتدؤا بالبناء وجدوا ما تبقى من الحوائط بالية ولا تصلح للبناء عليها فعمدوا إلى إزالتها عن آخرها, ولما وصلوا إلى أساسات البناء وجدوها هي الأُخرى لا تنفع للبناء عليها, فقاموا بإزالة الاساسات هي الاخرة تماماََ, ولما هموا بالبناء بعد أن كانوا قد قلعوا آخر حجر من حجارة الاساسات, حدثت عدة هزات ارضية وخرجت نيرانُُ هائلة من باطن الارض وحصلت عواصف وأعاصير فوق ارض الهيكل وظهر صليب كبير ملتهب محاط بدائرة مضيئة في كبد السماء, وكذلك ظهرت صلبان حُمر على ملابس العمال وأجسامهم, فخاف اليهود وهربوا من الموقع بسبب هذهِ الضربات الربانية, وإِضطر الامبراطور من ترك البناء بعد أن قلع اليهود آخر حجر من أحجار الهيكل, وأكملوا كلام المسيح عن الهيكل بالكمال والتمام. ومات الامبراطور سنة 363 ميلادية.


وإستولى عمر إبن الخطاب على مدينة إيلياء سنة 638 ميلادية بعد حصارها أيضاََ, وإستمر منع اليهود من دخول المدينة بحسب شروط إستسلام المدينة لعمر وبحسب العهدة العمرية.


وإستمر الحكم العثماني على المدينة لغاية سنة 1917 ميلادية, أي لغاية نهاية الامبراطورية العثمانية, حيث وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني لغاية قيام ما يُسمى بدولة إسرائيل سنة 1948 ميلادية, إلا أَنَّ القدس الشرقية والتي كانت هي المقصودة بكلام السيد المسيح بقيت تحت الرعاية الاردنية والحكم العربي لغاية دخول القوات الاسرائيلية اليهودية إلى القدس الشرقية يوم 7 / 6 / 1967 أو ما يُسمى نهاية حرب الايام الستة.


هذا ما حصل لأُورشليم فعلاََ وتم كلام السيد المسيح بالكمال والتمام على المدينة وعلى الهيكل وحجارتِهِ, إلا أننا نقف اليوم لنتأمل معنى كلام السيد الرب حينَ قال: " وتدوس الامم أُورشليم إلى أن تتم أزمنة الامم" والسوال هو: ماذا يحصل بعد تمام ازمنة الامم الوارد في النبوءة؟ فهناك إحتمالين لا ثالث لهما, وهما:


أن يعود حكمها لليهود كما كان الحال قبل دخول الامم إليها, او نهاية الزمان.


 ولكن الذي حصل فعلاََ كان رجوع المدينة لحكم اليهود عليها في 7 / 6 / 1967 وهذا معناه "إِنَّ عودة اليهود تحتَ أي مسمى كان لحكم المدينة ثانيةََ هو نهاية أزمنة الامم بالكمال والتمام" وهذا لا يعني حلول وقت نهاية العالم, بل هو مجرد خطوة بإتجاه النهاية التي لا يعلم زمانها إلا الله وحدهُ, ولكن نورد ما قالهُ السيد الرب : "من التينة تعلموا المثل, إنها اذا لانت أغصانها وأورقت، علمتم أن الصيف قريب. " هكذا نعلم بما أَنَّ أزمنة الامم قد إِكتملت, فمجيء الرب أضحى وشيكاََ وعلى الابوابََ, لكن متى؟ فالزمان لا يعلمهُ إلا الله وحدهُ.

نوري كريم داؤد

10 / 10 / 2009 



"إرجع إلى ألبداية"